النصارى مصر والشكوى لأوباما
في موقف ينم عن الانتهازية والمبالغة والعمالة وعدم الوطنية والاستقواء بالآخر الأمريكي على أبناء الوطن المصريين، أرسل مجموعة من المحامين النصارى المتطرفين برسالة للرئيس الأمريكي باراك أوباما أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، يشكون فيها مما أسموه بـ"اضطهاد الأقباط بمصر" ومعاناتهم من مشكلات عديدة.
ويطالبون بتخصيص دور للعبادة أسوة بالمسلمين الذين لا توجد لديهم مشكلة في هذا الصدد، وتشكو الرسالة لأوباما من التعديات على الحريات التي تمارسها الحكومة المصرية ضد النصارى، ومحاصرتهم في كل مكان في طول البلاد وعرضها، ومحاولة عرقلة مسيرتهم الناجحة في سبيل الإصلاح والتقدم والرقي، كما يشكو هؤلاء المحامون المتطرفون من عدم وجود رئيس جامعة واحد نصراني.
شكاوى متطرفي النصارى من المحامين تتضمن أيضًا أن الدستور المصري جاءت مواده المتعلقة بالحريات ـ وخاصة الدينية ـ عقيمة المفعول في أحد جوانبها؛ لتعارضها مع المادة الثانية من الدستور، ومن ثَمَّ باتت حرية العقيدة في مصر أو اختيار دين أو عقيدة، وهو من جانب واحد وهو العقيدة الإسلامية، فلا يمكن الخروج عليها، وأن من يخرج عليها ويعود إلى عقيدته الأصلية أو يختار دين آخر غير الإسلام كمثل خروج جمل من ثقب إبرة.
وهذا كذب وافتراء، فما حدث في قصة وفاء قسطنطين التي اختارت الإسلام بمحض إرادتها يكشف زيف دعاوى متطرفي النصارى، حيث استغلت الكنيسة ضعف وهشاشة النظام السياسي المصري، وضغطت عليه ليلغي إرادة مواطنة اختارت بحريتها عقيدة معينة.
وعندما وجه نجيب جبرائيل، الذي تولى كِبَر هذه الخيانة والعمالة، بالكثير من الاتهامات والخيانة لمصر، احتج بأن أوباما رئيس أكبر دولة بالعالم، وأمريكا، لديها خبرات في حقوق الإنسان لا ينكرها أحد، كما لا يوجد أي مانع من تدخله في الموضوع، وقال: نحن لم نرسل هذه الرسالة لأوباما فقط، ولكن أرسلناها للرئيس حسني مبارك أيضًا، كي يتعاونا سويًّا بهذا الشأن لمصلحة الوطن.
وهذه بجاحة واضحة ومخزية، فليس لأوباما أية صلة سياسية أو قانونية، أو أية صلة من أي نوع، بقضية يختصم فيه مصريون بعضهم بعضًا، وإنما التوصيف لما حدث هو استقواء برئيس دولة أجنبية قوية وتحريضه من أجل التدخل في الشأن المصري.
خيانة الوطن جعلت الكثير من المتطرفين النصارى يعلقون على خطاب أوباما، بأنه لم يسعدهم على الإطلاق؛ بسبب ما أطراه من سماحة وكرم على المسلمين، رغم أنهم بشر لا يعرفون معنى السماحة والكرم، لأنهم يضطهدون النصارى، ويصل بهم التبجح مداه بالقول: إن العدالة في الحق واجبة؛ ولكون النصارى مضطهدين فقد كان على أوباما أن يشير وبصراحة وبطريقة مباشرة إلى المشكلة وعلاجها، ولا يستعطف من دمر الأمريكان في سبتمبر 2001م.
التطرف والغل وقلة الحياء والعمالة بلغت منتهاها عند القوم، وجعلتهم يرفضون أن يعود أوباما "النصراني" إلى الحق، ويعترف بحضارة المسلمين وما قدموه للبشرية، مثلما اعترف بذلك كثير من العلماء والباحثين والمؤرخين المنصفين من اليهود والنصارى في أمريكا وأوروبا ومختلف دول العالم.
وهذا التطرف والجهل والغل والغباء هو الذي جعل متطرفي النصارى ينسون أنهم عاشوا في جوار المسلمين قرونًا من الأمن والعدل، بعد أن تم تخليصهم من قهر الرومان (النصارى).
ولأن هؤلاء المتطرفين لا يستحون، فإنهم يريدون أن يتلاعبوا بالتاريخ ويزوروه، رغم أن حقائقه ثابتة، فالقوم يزعجهم أن تنشر وزارة الثقافة المصرية كتابًا عن "المعلم يعقوب"، ذلك الخائن النصراني الذي تعاون مع الحملة الفرنسية ضد مصر والمصريين.
الشكاوى النصرانية ليست جديدة، فقد تم رفعها قبل ذلك لمنظمة العفو الدولية، وتم رفعها أكثر من مرة إلى "الكونجرس" الأمريكي، ووزارة الخارجية الأمريكية، وإلى معظم المنظمات الفاعلة في المجتمع الأمريكي، وكذلك كثير من المؤسسات السياسية والقانونية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الأوروبية.
لقد نسي هؤلاء المتطرفون أنه رغم أن تعدادهم بالنسبة إلى تعداد المصريين هو 6% من عدد السكان، إلا أنهم تتاح أمامهم الفرصة كاملة للالتحاق بجميع مراحل التعليم الأولي والعالي، بل إنه من المؤكد أن نسبتهم إلى النسبة العامة من طلاب المراحل التعليمية المختلفة تزيد على نسبتهم إلى العدد الكلي للسكان.
ونسي هؤلاء المتطرفون أيضًا أنه فيما يتعلق بالعمل كمعلمين وأساتذة؛ فإن كل المؤشرات تؤكد أنهم يتولون العمل كمدرسين وأساتذة في المدارس والجامعات، دون أدنى درجة من التمييز.
ونسي هؤلاء أيضًا أن كثيرًا من المحافظين نصارى، وأن عددًا لا بأس به من الوزراء نصارى، وأنه لا توجد قيود على الوجود النصراني في أجهزة الدولة الحساسة؛ كالشرطة والجيش والأجهزة الأمنية، بل إن عددًا كبيرًا من قادة هذه الأجهزة نصارى.
ونسي هؤلاء المتطرفون الذين يتحدثون عن الظلم والاضطهاد والتمييز الواقع في حقهم، أنهم يمتلكون ما يزيد على ثلث إجمالي الثروة في مصر؛ بدليل أن كبرى الشركات العاملة في مجالات الاقتصاد المصري الحيوية؛ كالاتصالات وصناعة السيارات والتشييد والبناء وما يرتبط بها، يملكها نصارى.
ولا يريد هؤلاء أن يعترفوا بأن نصارى مصر يشغلون نسبة عالية من إجمالي الوظائف التخصصية والراقية مثل الصيدلة والطب، وكذلك نسبة مقاربة من حجم الأنشطة والمنشآت التجارية في مصر، وتصل نسبتهم في عضوية النقابات المهنية إلى25% تقريبًا من إجمالي العضوية، رغم أن تعدادهم 6% من تعداد المصريين وليس 25%.
مثيرو الفتنة يشكون لرئيس دولة أجنبية الانتهاك والتهميش في حقوق النصارى، خاصة في الحياة النيابية والتمييز على أساس الدين، مستندين ومرددين قول كبيرهم شنودة بأن عدم وجود النصارى في المجالس النيابية، إنما هو نتيجة إحجامهم عن الترشيح بسبب أو لآخر، متجاهلين الحقيقة المؤكدة من أن نسبة مشاركتهم في عملية التصويت في الانتخابات عالية للغاية، على نحو ما تأكد في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وفي الاستفتاء على التعديلات الدستورية, وأن العديد من المرشحين النصارى ينجحون في دوائر تسكنها أغلبية مسلمة؛ مثل منير فخري عبد النور في العباسية، ويوسف بطرس غالي في شبرا وغيرهم.
مثيرو الفتنة يشكون لأوباما أنه لا يوجد في جميع أقسام أمراض النساء على مستوى كليات الطب بجميع الجامعات المصرية أستاذ مسيحي، رغم عدم وجود قانون يمنع ذلك، وينسون أو يتناسون التقارير التي نشرت في السنوات الماضية، والتي تفيد أن عددًا من الأطباء النصارى تم القبض عليهم بعد إجرائهم لعمليات تعقيم لفتيات مسلمات؛ من استئصال الرحم وغيرها حتى لا ينجبن.
سبحان الله وبحمده$سبحان الله العظيم