الإلتحاق بالإذاعة :
يعد الشيخ محمد محمود الطبلاوي أكثر القراء تقدماً للإلتحاق بالإذاعة كقارىء بها وقد يحسد على صبره الجميل الذي أثبت قيمة ومبدءاً وثقة في نفس هذا القارىء المتين بكل معاني هذه الكلمة. لم يتسرب اليأس إلى نفسه ولم تنل منه أي سهام وجهت إليه. وإنما تقبل كل شيء بنفس راضية مطمئنة إلى أنّ كل شيء بقدر وأنّ مشيئة الله فوق مشيئة البشر, تقدم تسع مرات للإذاعة ولم يأذن الله له . وفي المرة العاشرة اعتمد قارئاً بالإذاعة بإجماع لجنة اختبار القراء وأشاد المختصون بالموسيقى والنغم والانتقال من مقام موسيقي إلى مقام آخر بإمكاناته العالية , وحصل على تقدير (( الإمتياز )) وكانت اللجنة منصفة في ذلك والذي لم يعرف عدد مرات تقدم الشيخ الطبلاوي للإذاعة كان عليه أن يقف مع نفسه وقفة تجبره على السؤال عن سر هذا القارىء الذي ترجم كل شيء وفك رموزاً وشفرات في برهة قصيرة إنه القارىء الوحيد الذي اشتهر في أول ربع ساعة ينطلق فيها صوته عبر الإذاعة من ينكر هذه الشهرة التي عمت أرجاء مصر والأمة العربية والإسلامية بعد انطلاق صوت صاحبها بعشر دقائق فقط .. إنني أسجل هنا حقيقة يعلمها الملايين وهي أن الشيخ الطبلاوي سجل الرقم القياسي من حيث سرعة الشهرة والصيت والإنتشار وكأنه أراد أن يتحدث إلى من يهمه الأمر بلغة قرآنية وإمكانات صوتية فرضت على الدنيا اسماً جديداً أراد أن يترجم الصبر إلى فعل وعمل فحقق من الشهرة خلال نصف ساعة مالم يحققه غيره في ثلاثين عاماً لأنه صبر 9 سنوات نصف صبر أيوب الذي صبر 18 عماً فجاءه الشفاء مرة واحدة بعد أن تفجر الماء الشافي تحت قدميه وبمجرد أن وضع قدميه تحقق له من الشفاء ما كان يحتاج إلى عشرات السنين. كانت الفترة ما بين 1975 وحتى 1980 بمثابة غزو مفاجىء من الشيخ الطبلاوي فاحتل المقدمة مع المرحوم الشيخ عبدالباسط الذي أعطاه الجمهور اللقب مدى حياته .
مواقف في حاية الشيخ محمد محمود الطبلاوي :
يقول : إنني تعرضت لموقف شديدة المرارة على نفسي وكان من الممكن أن يقضى علي كقارىء ولكن الله سلّم . هذا الموقف أنقذتني منه عناية السماء وقدرة الله . وهذا الموقف حدث عندما كنت مدعواَ لإحياء مأتم كبير بأحد أحياء القاهرة المهتم أهله باستدعاء مشاهير القراء وكان السرادق ضخماً والوافدون إليه بالآلاف , وكان التوفيق حليفي والنفحات مع التجليات جعلتني أقرأ قرآنا وكأنه من السماء , وأثناء استراحتي قبل تلاوة الختام جاءني القهوجي وقال تشرب فنجان قهوة يا شيخ محمد ؟ قلت له : إذا ما كنش فيه مانع. وبعد قليل أحضر القهوة ووضعها أمامي على الترابيزة.. فانشغلت ونسيتها .. فقال لي صاحب الميكروفون القهوة بردت يا شيخ محمد فمددت يدي لتناولها فجاءني صديق وسلم عليّ وبدلاً من وضع يدي على الفنجان صافحت الرجل وانشغلت مرة ثانية وأردت أن أمد يدي فشعرت بثقل بذراعي لم يمكنني من تناول الفنجان وفجأة جاءني صاحب المأتم وطلب مني القراءة فتركت القهوة ولكن صاحب الميكرفون شربها وبعد لحظات علمت أنه انتقل بسيارة الإسعاف إلى القصر العيني وبفضل من الله تم إسعافه ونجا بقدرة الله . وهكذا تدخلت عناية السماء مرتين الأولى عندما منعتني القدرة من تناول القهوة والثانية نجاة الرجل بعد إسعافه بسرعة. وهذا الموقف حدث لي بعد إلتحاقي بالإذاعة ووصلت إلى المكانة التي لم يصل إليها أحد بهذه السرعة .
وهناك موقف لن ينسى وسيظل محفوراً بذاكرتي وهو :
(( .. أراد أحد القراء أن يشن حرباً عليّ لا لشيء إلا لأنني أخذت حظاً وفيراً من الشهرة بفضل الله تعالى .. فقال هذا القارىء الذي لا داعي لذكر اسمه . بعد إلتحاقه بالإذاعة بشهور : أريد الفرصة لكي أمسح الطبلاوي وأمثاله !! فأعطي الفرصة كاملة وأخذ إذاعة خارجية بعدها استبعد ستة شهور لأنه لم يتقن التلاوة !! فهذه جرأة على قدرة الله . أراد الله أن يشعره بأن الله يسمع ويرى وبيده ملكوت كل شيء هو المعز وهو المذل وهو على كل شيء قدير .
موقف خارج مصر :يقول الشيخ الطبلاوي : (( .. سافرت إلى الهند ضمن وفد مصري ديني بدعوة من الشيخ أبوالحسن الندوي. وكان رئيس الوفد المرحوم الدكتور زكريا البري وزير الأوقاف في ذلك الوقت.. وحدث أننا تأخرنا عن موعد حضور المؤتمر المقام بجامعة الندوة بنيودلهي , وكان التأخير لمدة نصف ساعة بسبب الطيران .. وبذكاء وخبرة قال الدكتور البري: الوحيد الذي يستطيع أن يدخل أمامنا هو الشيخ الطبلاوي لأنه الوحيد المميز بالزي المعروف ولأنه مشهور هنا وله مكانته في قلوب الناس بما له من مكانة قرآنية , وربما يكون للعمة والطربوش دور في الصفح والسماح لنا بالدخول. وحدث ما توقعه الدكتور البري وأكثر .. والمفاجأة أن رئيس المؤتمر وقف مرحباً وقال بصوت عال: حضر وفد مصر وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الطبلاوي .. فلنبدأ احتفالنا من جديد .. كانت لفتة طيبة أثلجت صدر الوزير لأن الندوة كانت تجمع شخصيات من مختلف دول العالم. وبعد انتهاء الجلسة التف حولي كل الموجودين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم يأخذون معي الصور التذكارية .. فقال لهم الدكتور الوزير : كلكم تعرفون الشيخ الطبلاوي ؟ فردوا وقالوا : والشيخ عبدالباسط أيضاً وكثير من قراء مصر العظماء. وفي الحقيقة عاد السيد الوزير إلى مصر بعد انتهاء المؤتمر وأعطاني عدة مسئوليات .. منها شيخ عموم المقارىء المصرية .. وعضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية .. وعضو بلجنة القرآن بالوزارة ومستشار ديني بوزارة الأوقاف .. ففوجئت بقيام مجموعة من مشاهير القراء بالاحتجاج على هذه الإمتيازات .. تحسب لقراء القرآن كلهم وفي مصلحتنا جميعاً , ويعد هذا نجاحاً للقراء , وكسباً لنا جميعاً .. وواجب علينا أن نفرح بهذا .